هشام قنديل..مايسترو قاعات الفن التشكيلي العربي الداعم للمرأة والشباب

هشام قنديل..مايسترو قاعات الفن التشكيلي العربي الداعم للمرأة والشباب

يُعتبَر الفن وسيلة للحوار بين المجتمعات منذ القِدم وحتى يومنا هذا، فمن خلاله تُبَث رسائل مفهومة لجميع البشرية على اختلافها، متجاوزة حدود اللغات والجنسيات، فهناك لغة واحدة تقبلها كل الأطراف يتحدثها الفن مفهومة وواضحة، تُعرف من خلالها الرؤية الإنسانية لهذه الجماعة، والنمط الذي تتعايش به.

وتبرز مجمل قضاياها ونهضتها، كذلك من خلال الفنون تقاس حضارات الشعوب وتقدمها، والثابت أن من أبرز ما قدمته الحضارات القديمة للبشرية هي الفنون.

ولعل هذا ما أدركه الناقد الفني هشام قنديل رئيس مجلس إدارة أتيليه العرب "ضي"، وأحد مؤسسي حركة الفن التشكيلي بالمملكة العربية السعودية، مستنسخًا تجربته بجدة بأخرى في قلب القاهرة كمشروع فني ومنارة لتوحيد الفنون التشكيلية العربية وسببًا لازدهارها.

ولمؤسسة "ضي" أهداف تتلخص في  ضخ دماء شبابية جديدة لحركة الفن التشكيلي، أجيال أكثر تماسكًا تمتلك حرية التعبير عن واقعها ومستقبلها، كذلك الحفاظ على الأصول الفنية، والاهتمام بالفنانين التشكيليين المنسي منهم والغائب، وتعميق مجالات الفن الأصيل المبني على رؤية فكرية تتمتع بهوية أصيلة، وفتح باب للأفكار الجديدة، التي من شأنها إحداث حالة إبداعية معاصرة.

وتستهدف مؤسسة "ضي"، نشر الفن التشكيلي المصري في الأقطار العربية وبلدان القارة السمراء وأوروبا، عبر رؤية طموحة بشراكات واسعة مع محبي الفنون، بمثابة ساحات الإبداع التي تفتح أبوابها أمام الشباب والفنانين الحقيقيين.

لم تقتصر المؤسسة على دعم المرأة أو العنصر الشبابي أو حركة الفن التشكيلي فحسب، بل امتدت لتشمل وبشكل موازٍ دعم الحركة الثقافية "أدب، شعر، ورواية، وكاريكاتير" بمختلف الأنشطة بمشاركة رموز الفنانين والمثقفين في مصر والوطن العربي. 

ويحتضن جاليري "ضي" أنشطة فنية وثقافية، جوائز يتنافس عليها مئات من الشباب ذات قيمة مادية وأدبية كبيرة، أيضًا معارض متنوعة تمثل جميع المدارس الفنية المعاصرة التي تمثل الفن التشكيلي المصري والعربي، وأخرى تستحضر إبداعات الرواد من كبار الفنانين التشكيليين المصريين والعرب.

"ضي" لإثراء الحركة الفنية العربية

القصة من أولها يسردها مفصلة هشام قنديل فيقول: "مؤسسة "ضي"، وليدة رحلتي مع الفن التشكيلي التي تزيد على 35 سنة، وأدعي أنني أحد مؤسسي الفن التشكيلي السعودي، خلال إقامتي الطويلة في السعودية عملت بأكثر من مكان، وكانت بدايتي مع المركز السعودي للفنون التشكيلية، تدرجت وظيفيًا حتى أصبحت مديرًا له ولم أتجاوز 28 عامًا، كانت المهمة ثقيلة سلَّحتُ لها نفسي بالثقافة والوعي في كل المجالات الفنية، خاصة وأن أسرتي أدبية أبي كان معلما للشاعر عفيفي مطر، عودنا أبي على القراءة، كان أبي يرسل أحد العاملين راكبًا "حماراً" أطلق الناس عليه "حمار الصحافة أو قطار الصحافة"، يشتري كل إصدارات الصحف اليومية.

وانتقلت لبيت الفنانين الذي أسسه الشيخ محمد سعيد فارسي، وهناك أيضا استضفت كبار الفنانين المصريين وأقمنا معارض لهم منهم الفنان الكبير محمد عبلة وعادل السيوي وغيرهم، وعملت وقتها كحلقة وصل بين الفن المصري والسعودي، ثم أنشأت كيانًا خاصًا بي تحت مسمى" أتيليه جدة للفنون الجميلة"، كان بمثابة مؤسسة ثقافية تحوي كل أنواع الفن، من خلالها أيضًا استضفت فنانين مصريين وأقمنا المعارض بهدف إثراء الحركة الفنية السعودية وكانت في بداية نشأتها بهذا النوع من الفن المصري، كان ممن شارك فنانون كبار كـ"عادل ثروت فرغلي، عبدالحفيظ أحمد عبدالكريم، عمر النجد، عز الدين نجيب".

ومن بداية التسعينيات ولديّ حلم باستنساخ تلك تجربتي في “جدة” مثلها في القاهرة، وبالفعل استهدفت ذلك وشجعني الأصدقاء على نسخ التجربة ومنهم الدكتور أحمد نوار.

ويتابع قنديل: "مشروعي الثقافي يقع تحت مسمى" أتيليه العرب للثقافة والفنون، وذلك لأن توجهي الفكري والروحي عروبي، متأثر بالقومية العربية وجمال عبدالناصر، بحيث يشمل كل العرب وباعتبار أن مصر حاضنة الفن العربي بكل مجالاته "سينما ومسرح وأدب وفن تشكيلي"، وكان أول نشاط لي تحت مسمى “المعرض الجماعي الأول للفنانين العرب”، حضره نجوم الحركة الفنية التشكيلية المصرية، وأبرز الفنانين في الوطن العربي، من لبنان حسين ماضي، ومن السعودية بكر شيخون، وشاليمار شربتلي، ومن الكويت عبدالرسول سلمان، ومن قطر يوسف أحمد وغيرهم، خلال الخمس سنوات وهي عمر "ضي" أقمنا ما يزيد على 200 معرض، منهم فنانون كبار كصلاح المليجي وطارق المليجي وأيمن السمري".

الاهتمام بالمهملين من المبدعين

“من فات كبيره تاه”، فلا غصون لشجرة لا تراعي جذورها ومنبتها، وهذا ما أدركه قنديل، فعمد إلى الاهتمام بالفنانين المهملين، يقول: “لقد احتفيت بالمنسيين أو المغيبين عن الحركة الفنية التشكيلية أو المشهد الثقافي، سواء عن قصد أو دونه مثل الفنان محمود أبوالمجد من أعظم التشكيليين المصريين، لقد تفاجأ الناس بفنه كيف لمثل هذا المبدع أن يُغيب”.

وتابع: "ومن عادتي التواصل مع الفنانين المصريين بشكل إنساني قبل أن يكون لهدف مهني، من المعارض التي أعتز به معرض الفنان الكبير "عزالدين نجيب"، وكان معرضا ناجحا من خلاله استطعنا إخراجه من عزلته المرضية لقد كان مهمومًا فنظمنا له معرضًا، وطبعنا له كتابًا بالتعاون بين رجل أعمال سعودي وبين جاليري ضي، وما ذلك إلا نتاج محبة وصداقة تشكلت من خلال ورشة عمل مشتركة بين ما يزيد على 20 فنانا بينهم شباب وبين فنانين سعوديين في جدة.

وعن سبب انعزال بعض الفنانين ونسيانهم، قال: "إن الفنانين حينما لا يجدون تفاعلًا  كبيرًا معهم يحبطون وكلنا نذكر حادث جمال السجيني، الفنان الكبير حينما أخذ منحوتاته وألقى بها في النيل، رغم أنه من أعظم ما أنجبت مصر من نحاتين يعتبر امتدادًا لمحمود مختار، فكأنه يقول إن هذا الفن غير جماهيري ولا يتفاعل أحد معه ولا يتم تقديره ماديًا أو معنويًا، البعض يقاوم ويستمر وآخرون يعتزلون، مثال، الفنان محمود أبوالمجد والذي اعتزل عزلة كبيرة كتب عنها الكاتب إحسان عبدالقدوس وشعوره باللاجدوى، وبالبحث اهتممنا به وتوصلنا لأسرته، وحينما رأيت أعماله هي إبداع، وبالفعل أخذنا أعماله وأقمنا له معرضًا.

أيضًا، نقيم معرضًا تحت مسمى" مبدعون خالدون"، ومن خلاله نختار أسماء مغيبة عن المشهد الثقافي المصري، واستضفنا كبار المهنة كحسن راشد، كمال عبيد.

للشباب نصيب الأسد

يشرح قنديل فلسفته في العمل فيقول: "إن فلسفتي تسير في اتجاهين، الأول لكبار الفن التشكيلي بكل ما فيه من معارض وأنشطة واهتمام بمنسيين ومغيبين فيه، لكن نصيب الأسد لدينا خاص بالشباب ودعمه، فبعد المعرض الافتتاحي لـ"ضي"، دشنت مهرجان "ضي العربي الأول للشباب العربي"، شاركت فيه دول عربية، ومن خلاله أطلقنا مسابقة بلجنة تحكيم دولية على مستوى عالِ كان منها على سبيل المثال رئيس لجنة تحكيم بينان القاهرة محمد حمودة، ووزير الثقافة الأسبق شاكر عبدالحميد، وكان عبارة عن ورش عمل شارك فيها قرابة 800 من الفنانين الشباب، وحدد لهم موضوعا عنوانه "الهوية"، ليبدعوا من خلاله بريشاتهم، وللفائزين جوائز تقدر بـ100 ألف جنيه مصري للمركز الأول، والمركز الثاني 70 والثالث 50 وهكذا.

يستطرد: "خرج من تلك المسابقة نجوم واعدة، بل إن الهدف كان ضخ دماء جديدة للحركة الفنية التشكيلية في مصر والوطن العربي، "ضي" ليست مجرد "دكان" لبيع اللوحات، نحن كمؤسسة مدنية لنا دور مهم في ذلك، كذلك أهتم بأنشطة تتعلق بالأدب والقصة والشعر، وهذه حقيقة لا تدر ربحًا، بل إنني أخصص جزءا من ربحي لدعم تلك الأنشطة، أفرح بمولد موهبة جديدة في أي نوع من الفنون.

تحويل الفنون النخبوية إلى جماهيرية

مهمة صعبة أخرى يقوم بها قنديل ويشرحها بقوله: "يتصف الفن التشكيلي بأنه غير جماهيري، حتى إن معارضه تقام في قاعات مغلقة، بعيدة عن رجل الشارع، وهي أزمة عربية، والحل هنا أن يحاول الفن الذهاب إلى الجماهير في ساحة تواجدهم، ومن هنا دشنت نشاطا في معرض القاهرة الدولي للكتاب عبارة عن معرض فني يرى فيه المواطن اللوحة بجوار الكتاب، وهنا ننشر الجمال البصري الذي يعتاده تدريجًا ومن ثم يذهب إليه بعد ذلك في القاعات، أيضًا الإعلام يهتم بكل الفنون ما عدا الفن التشكيلي، لماذا يغيب النقاد التشكيليون عن الكتابة، هناك حالة من التسطيح لا بد من حلها من خلال الاهتمام بكل أنواع الفن بما فيه التشكيلي والفنانون التشكيليون، نشر الجمال يهذب الإحساس ويبعد الشباب عن الإرهاب".

وأضاف: "اتفقنا مع معرض الكتاب على إقامة ورش في معرض الكتاب بهدف خلق تفاعل جماهيري عن طريق رسم الفنانين أمام الناس صورًا ولوحات بعضها للجماهير، بهدف إخراج الفن التشكيلي من عزلته".

منتدى ثقافي موازٍ

تمتد أنشطة جاليري "ضي" لتشمل كل أنواع الثقافة، منها منتدى موازٍ رأسه الدكتور شاكر عبدالحميد رحمه الله، فيه يكون الجانب الثقافي موازيًا للجانب التشكيلي.

يشرح قنديل الفكرة بقوله: "تم تدشين جائزة تحمل اسم الشاعر عفيفي مطر، أقيمت على مدار 3 دورات، قيمة الجائزة 100 ألف جنيه للجائزة، ونحن بصدد جوائز تحمل اسم فؤاد حداد وصلاح جاهين، وكذلك أخرى خاصة بشعر العامية، كدعم للحركة الثقافية ككل، ولا ننسى الندوات والأمسيات الثقافية التي نقيمها، كذلك حفلات توقيع الكتب المستمرة على مدار الساعة بقاعات "ضي"، لقد خصصت قاعة لاستضافة الأنشطة الثقافية".

ويستكمل: "نحن نربط الفن التشكيلي بالأدب، فعلى سبيل المثال قمنا بعمل ورشة عمل كان موضوعها، كيف نتناول الأديب مكاوي سعيد في لوحات، ترسم بريش فنانين شباب، كذلك ورشة موضوعها قراءة في أعمال صلاح جاهين، وبشكل موزاٍ أقمنا معرضًا للوحاته الكاريكاتيرية، وهكذا تم عمل ما يزيد على 6 ورش".

ويؤكد قنديل: "في الفترة القادمة سأهتم بالموسيقى وفن الباليه، جميعها سيكون على خارطة عمل جاليري ضي وبشكل احترافي".

المرأة "ضي" المؤسسة

وقال هشام قنديل، إن المرأة المصرية بصفة خاصة والعربية بشكل عام تحظى باهتمامنا، هي ضي المؤسسة ونوره الساطع بيننا، بل على العكس هي أولى أولوياتنا ونحن بصدد تدشين معرض عن تناول المرأة المصرية في أعمال الفنانين التشكيليين، يترأسه الأستاذ رضا عبدالسلام، وتم اختيار 40 فنانة تشكيلية عربية، إلى جانب فنانين عرفوا بمناصرتهم للمرأة، المرأة حاضرة بشكل كبير في معارضنا منهم عزة مصطفى وميرفت الشاذلي، أماني فهمي، أماني موسى وغيرهن، نهتم بمعارضهن كما نهتم بمعارض الشباب".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية